في الأيام الماضية، طرأت العديد من التطورات التي قد يكون لها تداعيات على الواقع اللبناني الداخلي، أبرزها ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل والإنفراجة التي سجلت في العراق، فالأول أبعد شبح الحرب عن الجبهة الجنوبية نتيجة الإتفاق الذي تم التوصل إليه برعاية الولايات المتحدة والأمم المتحدة، والرئيس الأميركي جو بايدن كان أول المتحدثين عن أنه سيكون فرصة مهمة جداً، بينما هناك من يعتبر أن الثاني، بعد ما يقارب العام من الأزمات، قد يكون مؤشراً على بداية مسار جديد على مستوى ملفات المنطقة.
ضمن هذا السياق، من الضروري التنبه إلى أن لبنان قد يكون على مسافة أيام من الوصول إلى أزمة خطيرة، تتمثل بالدخول في حالة الشغور الرئاسي في ظلّ حكومة تصريف أعمال، الأمر الذي من المرجّح أن يكون له تداعيات خطيرة، في حال لم ينجح الأفرقاء المعنيين بالوصول إلى تفاهمات سريعة، خصوصاً أن الفترة المتاحة لذلك باتت قصيرة جداً.
في البداية، يوضح الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين، في حديث لـ"النشرة"، أن المجلس النيابي لا يفقد القدرة على التشريع أو منح الحكومة الثقة في الأيام العشرة الأخيرة من ولاية رئيس الجمهورية، ويلفت إلى أن "المادة 75 من الدستور تحصر الصفة الإنتخابيّة في الجلسة المخصّصة حسب جدول الأعمال من أجل إنتخاب رئيس الجمهورية، من دون أن يمنع ذلك رئيس المجلس النيابي من الدعوة إلى جلسات أخرى للبحث في جداول أعمال أخرى".
على صعيد متصل، يلفت إلى أن ما يُحكى عن إمكانية إصدار رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوم قبول إستقالة الحكومة لا يقدّم أو يؤخّر، على إعتبار أن حكومة تصريف الأعمال الحالية مستقيلة بحكم الدستور، الذي ينصّ على أنه مع بدء ولاية المجلس النيابي تعتبر الحكومة مستقيلة، وبالتالي المرسوم إعلامي وليس إنشائياً، لكنه في المقابل يؤكد أنه بحال عدم تشكيل حكومة جديدة، تنال ثقة المجلس النيابي، حكومة تصريف الأعمال عاجزة عن تولي صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة.
بالعودة إلى التطورات، سواء كانت المحلية أو الإقليمية، التي من الممكن أن تسهل الوصول إلى تسويات على المستوى الداخلي، ترى مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، أن الأمور لا تزال بحاجة إلى بعض الوقت، سواء كان ذلك بالنسبة إلى ملف ترسيم الحدود أو ما يمكن وصفه بـ"الإنفراجة" العراقية، خصوصاً أن هذه التداعيات مرتبطة، من الناحية العملية، بالإستحقاق الرئاسي، في حين أن تشكيل الحكومة من الممكن أن يحصل نتيجة تفاهمات داخلية تعالج الخلافات القائمة، وهذا المهمة لن تكون مستحيلة في حال كانت الرغبة موجودة.
في هذا الإطار، تشير المصادر نفسها إلى أن الأساس يبقى معرفة ما إذا كانت النظرة الأميركية إلى الملف اللبناني قد تبدلت بعد إتفاق الترسيم، الأمر الذي يفتح الباب، بعد ذلك، لفهم ما يمكن أن يحصل في الفترة المقبلة، لا سيما أن الجميع يدرك أن أي تطورات سلبية من غير المسموح أن تصل إلى مرحلة الإنهيار الشامل، وبالتالي المعادلات مرهونة ضمن هذا الحد، الذي من المفترض أن يتظهر تباعاً.
في المحصلة، ترى هذه المصادر أنّ عدم الإتفاق على تشكيل حكومة جديدة، قبل نهاية ولاية عون، قد يفتح الباب أمام تسريع الإتفاق على إسم رئيس الجمهورية المقبل، في حال كانت التداعيات الناتجة عن الشغور في ظل حكومة تصريف أعمال كبيرة، بينما ولادة الحكومة قد تظهّر فترة سماح، تعطي جميع الجهات القدرة على الإستمرار في سياسة المناورة، لكنها تلفت إلى نقطة مهمة تكمن بأنّ دائرة الخلافات تتوسع، داخل المحاور نفسها، وبالتالي من الممكن أن يكون للخلافات السعوديّة الأميركيّة بعض التأثيرات البالغة.